يا لها من مصادفة ثقيلة أن أقرأ هذه الرواية بالتزامن مع الجريمة الشيطانية التي تشغل مصر هذه الأيام، وهي مقتل الفتاة "نيّرة" وبدء محاكمة الجاني .
فعل القيا لها من مصادفة ثقيلة أن أقرأ هذه الرواية بالتزامن مع الجريمة الشيطانية التي تشغل مصر هذه الأيام، وهي مقتل الفتاة "نيّرة" وبدء محاكمة الجاني .
فعل القتل، أي قتل، يُعد خرقاً للطبيعة البشرية وجُرماً أخلاقياً لا يُغتفر، أياً كان الدافع من انتقام أو تحريض، فما بالكم بالتنكيل! والاستسلام الكامل لغرائز شيطانية، حتى الحيوانات منها براء؟!
بطل الرواية مدرّس برازيلي يعاني من إزعاج متكرر وعنيد من جاره، تتوالى الأحداث لتقع جريمة القتل والتنكيل وإخفاء الجثة.
إلى هنا كانت رواية جيدة، لكن لا تسترعي كامل اهتمامي، إلى حين بدء المحاكمة، وقلب الموازين من خلال مرافعة محامي البطل، صحيح أنها لم تكن ذات وزن في وقائع الجلسة، لكنها بلبلت أفكاري لساعات وساعات ..
المأزق الأخلاقي كان: هل بإمكاننا غفران الجُرم لمجرد أنّ المجرم مُعتل نفسياً وعقلياً؟ كيف لنا أن نتهاون في إهدار حياة بشرية كان لها رؤى وأحلام وتطلعات وذكريات وماضي؟؟
واذا كان الجواب لا، كيف لنا أن نعاقب شخصاً بفعلٍ أُدينَ به هو نفسه؟ كيف لنا ألّا نكون مجرمين حين نحكم بالموت على ضحية موّرثات وبيئة ومجتمع معينين؟؟
وقد لا يكون مأزقاً للكثير، بالأخص ما ذُكِر في الرواية عن اختلاف الحُكم بين البلدان باختلاف المجتمعات، فما يُحكم عليه بالمؤبد في البرازيل، قد يُحكم له بالبراءة بالسويد مثلاً! باعتبارها بلداً يُعطي الطب النفسي أهمية كبيرة .
بالنهاية، فعل القتل، هو إجرام أياً كانت دوافعه، وليس لأحد، أي أحد، الحق في إزهاق روح أياً كانت سُلطته.
سنونوة واحدة لا تصنع الربيع، ووعد واحد لا يصنع السعادة …
أحب الروايات النفسية والحكايات التي يملؤها الهذيان والجنون، ولا بأس عندي إن سلكت الدرب المأ سنونوة واحدة لا تصنع الربيع، ووعد واحد لا يصنع السعادة …
أحب الروايات النفسية والحكايات التي يملؤها الهذيان والجنون، ولا بأس عندي إن سلكت الدرب المألوف دوماً واتجهت نحو الجريمة، فلا يُنتظر من النشأة المشحونة بالقلق والتوتر سوى حياة غير متزنة وخاوية من المعنى …
لكن هذه الرواية لا زالت تفتقر إلى أشياء معينة تستأثر بقلب قارئ أدب النفس، كوضوح الأسباب والشخصيات والربط بين الوقائع، هذه الرواية كان يلفها الضباب، ولا تستطيع معها سوى الاستمتاع بتأملات الكاتب وسرده الجميل …
أدركت أن الأعمى ليس من لا يبصر، بل من لا نبصره، ولا عمى أسوأ من ألا يلاحظ أحدهم وجودك … ...more
إننا نفترق إلى الأبد، لأنه ما كان ينبغي أن نلتقي …
الحب الممنوع والغير قابل للامتلاك هو دائماً ما يتشبث بحنايا القلب أكثر من غيره، قد يصبح تأثيره أخف إننا نفترق إلى الأبد، لأنه ما كان ينبغي أن نلتقي …
الحب الممنوع والغير قابل للامتلاك هو دائماً ما يتشبث بحنايا القلب أكثر من غيره، قد يصبح تأثيره أخف وطأة بعد خوض غماره، لكان طالما بقي بعيداً ونائياً وعصياً على التعويض مكث في حياة المرء أكثر و زادها فوضى ولوعة وعبثية .
لقد غفرا لبعضهما البعض كل ما كانا يخجلان منه في ماضيهما، وغفرا كل ما في حاضرهما، وأحسا أن حبهما هذا قد غيرهما كليهما .. ...more
قصص الخيانة هي أكثر المواضيع التي أغنت الأدب العالمي برأيي، مهما اختلف شكل الحكاية ولونها يبقى داخلها ثابت، الاندفاعة ذاتها والتهور ذاته، ثم المهانة وقصص الخيانة هي أكثر المواضيع التي أغنت الأدب العالمي برأيي، مهما اختلف شكل الحكاية ولونها يبقى داخلها ثابت، الاندفاعة ذاتها والتهور ذاته، ثم المهانة والندامة ذاتها، وفي الآخر الخسارة خسارة مهما كان حجمها… واللعوب هنا، سيدة اتبعت الخطا نفسها، لم تبالي كثيراً بما لديها، ولم يخطر في بالها أصلاً احتمالية فقدانه، كانت تشعر أن جمالها خالد، وأن سعادتها أبدية، وأن الحياة لن تتعثر بها مطلقاً، حتى أتى سقوطها الأخير مدوياً، وطامتها كُبرى ..
لربما كان تشيخوف أحد الأشخاص الذين عانوا من الرتابة والحياة المقيدة لأنه تكلم عن تلك القيود بأكثر من قصة وطريقة، كأنها قيوده هو، وكأن الكتابة لديه كانلربما كان تشيخوف أحد الأشخاص الذين عانوا من الرتابة والحياة المقيدة لأنه تكلم عن تلك القيود بأكثر من قصة وطريقة، كأنها قيوده هو، وكأن الكتابة لديه كانت شكلاً من أشكال التحرر من القيود وتحطيمها …
الخوف أشبه بسلك شائك يلتف حول الروح، ومع الوقت وفي أي محاولة للتحرك ينغرز أكثر في لحم حياتنا، يُصبح كل شيء مهدد بالضياع، كل شيء غير آمن، حتى ليتوقف المرء عن أن يأمن ظلّه …
هناك فرص في الحياة لا تتكرر، هذا ما يُخبرك إياه تشيخوف، والسبب ليست فرادة الأشياء، وإنما فعل الزمن وقدرته على تغيير الكثير داخلنا، فبعض القرارات نتخذههناك فرص في الحياة لا تتكرر، هذا ما يُخبرك إياه تشيخوف، والسبب ليست فرادة الأشياء، وإنما فعل الزمن وقدرته على تغيير الكثير داخلنا، فبعض القرارات نتخذها من خلف ستار ما، كأنها مححوبة بغمامة ما، لكن ما أن تتبدد هذه الهالة حولها، حتى تتضح لنا قيمتها الحقيقية، وكم كنا ساذجين حين اخترناها يوماً ..
هذا أحد الدروس التي نتعلمها من الحياة بالنضج والتقدم في التجارب .
كانت تنظر إليه بفضول ساذج، وكأنما تريد أن تتأمل وتفهم عن قرب هذا الرجل الذي أحبها في وقت ما بذلك التأجج وتلك الرقة وتلك النهاية التعيسة… ...more
هذا هو تشيخوف الذي كنت أبحث عنه، أديب الصراعات النفسية والفكرية بدون إطالة ولا تشتيت، من يشق طريقه مباشرةً إلى صلب الموضوع دون أن يحرمك من تحليلاته الهذا هو تشيخوف الذي كنت أبحث عنه، أديب الصراعات النفسية والفكرية بدون إطالة ولا تشتيت، من يشق طريقه مباشرةً إلى صلب الموضوع دون أن يحرمك من تحليلاته العميقة وفلسفته الخاصة …
موضوعه هنا لا يزال هاجساً لكثير منا في هذا العصر، تضارب أسلوب الحياة العملي مع الروحاني، الواقع الخارجي ضد الحياة الداخلية، فمن كان يشعر أن العمل بضغوطاته المستمرة يسلبه طاقته وهدوءه وسلامه النفسي سيميل إلى بطل تشيخوف وسيفهمه تماماً، حيث يرى أنه لو وُجد توزيع عادل للعمل والطاقات والخدمات لقلّت احتياجات المرء (الحيوانية) وتفرّغ للبحث عن ذاته وعن حقيقة الحياة …
وبرأيي أن الحب الذي فقده البطل هو كناية عن الأشياء الجميلة التي تُسلب منا لتحليقنا خارج سرب العمل والنظام المادي .
وفي أحيان نادرة، عندما تؤرقني الوحدة وأشعر بالحزن أتذكرها بصورة مبهمة، وشيئاً فشيئاً يخيّل إليّ أيضاً أن هناك من يتذكرني، وينتظرني، وأننا سنلتقي … ...more
لحظة بكاملها من سعادة !… رباه هل تحتاج حياة إنسان لأكثر من هذا !؟ ، ظلّتْ مقولة دوستويفسكي من الليالي البيضاء تلوح لي وأنا أقرأ هذه الرواية القصيرة لحظة بكاملها من سعادة !… رباه هل تحتاج حياة إنسان لأكثر من هذا !؟ ، ظلّتْ مقولة دوستويفسكي من الليالي البيضاء تلوح لي وأنا أقرأ هذه الرواية القصيرة وأتعجب كيف لحدث بسيط ولحظة ضبابية ومبهمة كل الإبهام أن تُحدث هذا الفرق الهائل في حياة شخصٍ ما !! هل لأن الحياة الباهتة والضامرة تتأثر عميقاً بالمواقف المباغتة مهما كانت بسيطة؟ أم أنّ هذه المواقف الساذجة على بساطتها هي من تبني العالم الداخلي للبشر لأنها تسوقهم وراءها إلى عالم الأحلام والخيال السعيد؟ شخصياً، أنا أقدّس هذه اللحظات الحالمة وكثيراً ما أحاول إنعاشها في ذاكرتي، مهما كان الارتطام في الواقع بعدها مؤذياً ومليء بالإحباط .
أراد أن يقنع نفسه بأن حادث القبلة لا يمكن أن يكون طريفاً إلا باعتباره مغامرة صغيرة غامضة، وأنه في الواقع حادث تافه، ومن الغباء، على أقل تقدير، التفكير فيه جدياً، إلا أنه سرعان ما ترك عنه المنطق واستسلم للأحلام .. ...more
يمكن النظر لهذه الرواية من زاويتين مختلفتين، الأولى وهي ما عبر عنه صديقنا الدحيح في حلقة لماذا لا أحب النجاح، والتي مسّت قلبي بشكل خاص، كونها تتحدث عيمكن النظر لهذه الرواية من زاويتين مختلفتين، الأولى وهي ما عبر عنه صديقنا الدحيح في حلقة لماذا لا أحب النجاح، والتي مسّت قلبي بشكل خاص، كونها تتحدث عن فكرة باتت مُلحة في عصرنا الحالي، وهي تقبُّل المرء أن يكون عادياً، بدون قدرات خارقة أو أقدار استثنائية، فنحن نعيش في عالم يطلب منا في كل لحظة أن نكون جميعنا أشخاصاً بارزين وناجحين وعظماء، غير آخذ بعين الاعتبار الضغوطات النفسية التي تُثقل كاهل المرء حتى يصل إلى مبتغاه، وتلك التي تسحقه حين لا يصل، والتي ينتج عنها في نهاية الأمر مختلف الاضطرابات والأمراض العصبية ..
الثانية، أوحى لي بها حوار بسيط من الرواية لكن ذو دلالات عميقة، وهي صعوبة تقبل المحيط النمطي لشخص مختلف ومنفرد في ذاته، حتى وإن كان هذا الشخص في انسجام كليّ وتوافق مرهف مع حالته، فتصبح حينها محاولة انقاذه أشبه باعدام معنوي وتشويه لكل ما هو جميل داخله ..
- أنت شبح، تهيؤات، وإذن فأنا مريض نفسياً، مجنون؟ - حتى لو كان ذلك، فيم الخجل؟ أنت مريض لأنك عملت فوق طاقتك وأحهدت نفسك، وهذا يعني أنك ضحيت بصحتك في سبيل الفكرة، وقريباً يحل الوقت الذي تهبها فيه حياتك أيضاً، فهل هناك ما هو أفضل؟ إن هذا هو ما تسعى إليه عادة كل الشخصيات الموهوبة النبيلة ..
نعم، لقد جننت، كنت مريضاً بجنون العظمة، ولكني كنت مرحاً، نشيطاً، بل سعيداً، كنت طريفاً وأصيلاً، والآن أصبحت أعقل وأرصن، ولكني صرت مثل الجميع، أنا عادي .. ...more
تشيخوف سبق وأن أسرني في مجلد الروايات بالثيمة النفسية العميقة التي ميزت حكاياته، وها هو الآن ينال إعجابي بالطابع الاجتماعي الذي يطغى على هذا المجلد ..تشيخوف سبق وأن أسرني في مجلد الروايات بالثيمة النفسية العميقة التي ميزت حكاياته، وها هو الآن ينال إعجابي بالطابع الاجتماعي الذي يطغى على هذا المجلد ..
فتنوع بيئة الحكايات والشخصيات واختلاف المشاهد كان أشبه بقطع البازل التي تضعها جنباً إلى جنب فتحصل على لوحة كاملة، وما كانت تلك اللوحة سوى المجتمع الروسي بعيون تشيخوفية ..
ومن قرأ لتشيخوف سيألف فيه أسلوبه المباشر والطريق المختصر الذي يسلكه إلى قلب الرواية، فهو يقدم أفكاره دوماً بصورة مشذّبة دون تكلّف أو حشو لا طائل منه، تشيخوف يكتب بأسلوب طبيب إن صح التعبير ..
أما تأثيره في النفس، فأنا لم أبكِ يوماً في حضرته، ولم يعلُ ضحكي أيضاً، أنا مع تشيخوف أبتسم وأعيني دامعة ..
أن ترى وتسمع كيف يكذبون، ثم يرمونك أنت بالغباء لأنك تطيق هذا الكذب، أن تتحمل الإهانات والإذلال، دون أن تجرؤ على الإعلان صراحة ً أنك في صف الشرفاء الأحرار، بل تكذب أنت نفسك، وتبتسم، وكل ذلك من أجل لقمة العيش، من أجل ركن دافئ، من أجل وظيفة حقيرة لا تساوي قرشاً… كلا، حياة كهذه لم تعد محتملة .
وكل تعاليم الحب التي لُقِنتَها، وكل تعبُدك الطويل في محرابك العاطفي، لن يصمد أمام زلزال تولستوي الأدبي والتصدعات الذي سيُحدثها كتابه في معتقداتك . فسواوكل تعاليم الحب التي لُقِنتَها، وكل تعبُدك الطويل في محرابك العاطفي، لن يصمد أمام زلزال تولستوي الأدبي والتصدعات الذي سيُحدثها كتابه في معتقداتك . فسواء كنت من أنصار اقتران العاطفة، أو من مؤيدي الزواج التقليدي، فطريقك في نظر تولستوي متجهٌ نحو الهاوية .
و هاك عزيزي القارئ أولاً هذا الحوار البسيط، والذي أراه يختصر فكرة الكتاب ويختزل معاناته : - الحب هو أن تؤثر شخصاً على جميع ما عداه . - أؤثره لأي مدة؟ شهر، شهرين، أو نصف ساعة؟ - لأي مدة من الزمن!! لمدة طويلة، وربما مدى الحياة . - هذا يحدث في الروايات، أما في الحياة فلا، قد يدوم هذا الإيثار في الحياة بضع سنين أحياناً، وهذا نادر جداً، والأغلب أنه يدوم أشهراً، إن لم يكن أسابيع، أو أياماً، أو ساعات .. - إن بين البشر مع ذلك لعاطفة هي الحب، لا تدوم أشهراً أو سنين، بل تستمر مدى الحياة . - هذه العاطفة لا وجود لها، واذا سلّمنا بأن رجلاً من الرجال آثر امرأة بعينها مدى الحياة، فمن الممكن أن تؤثر هذه المرأة عليه رجلاً آخر، كذلك كان الأمر دائماً على هذه الأرض …
والحقيقة أنّ هذه النظرية أغنتْ الأدب العالمي بالكثير من القصص والروايات الخالدة، وكل واحد منا على دراية بحكاية شبيهة هذا إن لم يكن هو نفسه بطل حكايته الخاصة، فبين خيانة وحب من طرف واحد وآخر بلا أمل …، تنوعت حكايات العلاقة ثلاثية الأفراد واختلفت مسالكها، لكن هذه هي المرة الأولى التي اقرأ فيها أدباً يُعنى بتحليل المشكلة وتعرية جذورها مع المحافظة على الجاذبية القصصية وسيطرتها على القارئ، وهذا ليس بغريب على قلم تولستوي .
فانتقاده لمنظومة الزواج يتعداها إلى انتقاد لأُسس التربية والتنشئة، وللأعراف التي تحدد شكل المجتمع والعلاقات بين أفراده .. فالتنشئة اللا أخلاقية للرجل وقائمة المباحات التي تُقدم إليه بسبب جنسه، والنظر للمرأة كوسيلة للمتعة أياً كانت توجهاتها، ستودي إلى زيجات مبنية على رغبة جسدية زائلة بمرور الوقت وتخييم الملل والاعتياد على العلاقة، ومع نُظم الطبابة ووسائل الترفيه التي تترك المرء في هياج وفراغ دائمين، يُمهَد الطريق إلى الضياع والاضطراب وارتكاب الخطايا .
الأجواء العامة واختيار الكاتب للقطار كمكان لسرد الرواية، زوّدها بحميمية وشجن من نوع خاص، واستدعى إليّ وقع روايتي الأبله والأشجار واغتيال مرزوق في نفسي، فكأن السفر يوّلد في الإنسان الرغبة في استعادة الذكريات واجترار الألم .
حين بحثت عن مصدر الإلهام في الرواية وجدتُ أنها مراسلات للكاتب مع امرأة مجهولة تناقشه في الوضع المروع لنساء المجتمع الروسي آنذاك، بالإضافة إلى قصة نقلها صديق لتولستوي عن رجل يروي لمسافرين على متن قطار وقائع خيانة زوجته له، أما حدسي فيُخبرني أنّ مُلهِم تولستوي هو نفسه وحياته الزوجية، وأنا شخصٌ يثق في حدسه .
وبالنسبة للترجمة، يكفي أن أخبركم أنّ الدروبي قام بزيارة خاصة للقرية التي نشأ فيها تولستوي حتى يتعرف على البيئة التي ساهمت بتشكيل وعي هذا الكاتب وقدح شرارة ابداعه، ولكم أن تتخيلوا حينها روح الترجمة التي بُثَّتْ في النص . ...more
واحدة من أجمل قراءات العام بالنسبة لي، قيمة أدبية فضلاً عن ثرائها الأخلاقي، مأساة إنسانية جامعة، لا زالت تتوالى وتتناسل في ظل كل حرب وكارثة، مأساة الإواحدة من أجمل قراءات العام بالنسبة لي، قيمة أدبية فضلاً عن ثرائها الأخلاقي، مأساة إنسانية جامعة، لا زالت تتوالى وتتناسل في ظل كل حرب وكارثة، مأساة الإنسان الذي يعزف سيمفونية موته الخاصة مراراً خلال حياته، قبل أن تنتهي وينقطع الوتر الأخير ...
في هذه البلاد نهرم قبل أن نصل سن الثلاثين ..
قيمة الرواية دائماً ما ترتفع مع إمكانية إسقاط أحداثها على أي جيل، و ما رصدته هذه الرواية من إنحدار إنساني لمجتمع الحرب العالمية الثانية وما بعدها، يُمكن رصده اليوم في واقع أي بلاد عانت وما زالت تعاني من الحروب التي تنهش إنسانيتها .
فمن معاناة المثقف مع شخصية آيدين، إلى الصراع الفكري للأجيال بين الأب والإبن، إلى نقمة أورهان وشِقاق الأخوين لأجل الميراث، وتقزيم كيان الأنثى في شخصية الأخت آيدا، واستغلال السُلطة بشخصية إياز، وحتى فجوة الأديان بين المحبين ...، كل هذه ملامح مشوَّهة تُذكِر القارئ العربي بالقبح الذي يشاهده حوله كل يوم .
كأن الناس ماتوا جميعهم، وأنا وحدي أؤدي كفّارة هلعهم ..
ولأن العنوان يوحي للقارئ بموسيقى جنائزية، وجدتني أفكر بالصوت الملائم لكل شخصية، حيث تستحوذ شخصية آيدين على شجن خاص، كنحيب تشيلو في مقطوعة حزينة، حتى لكأن مآسي الشخصيات ما وُجدت إلّا لتدور في مدار نكبته وحده، فتَوحُد أحزانه مع توأمه آيدا وفجيعة موتها تُشبه التوافق الحزين بين التشيلو والكمان، واحتواء الأم لزهرة حياته الذابلة يجيء كأنغام حنونة من بيانو عذب، واختلافه الفكري مع الوالد أقرب ما يكون إلى الاختلاف بين العود والتشيلو، عائلة واحدة وانسجام مُعدم، وقسوة أورهان ونقمته مثل قرع طبول في حضرة تشيلو حساس وحزين، ووحدها تلك الأرمنية الشقراء في حياته كانت مثل هارمونيكا غريبة تستطيع أن تدمع معها وتبتسم في آن ..
أعادت لي الرواية إحساسي مع الرواية التركية يوسف القويوجاقلي، والرواية الكردية مساء الفراشة، فبالرغم من اختلاف المواضيع إلا أن هناك رابط خفي يُجبرني على استحضار عنوانيهما، لربما كان لطبيعة المنطقة وتقارب المجتمعات أثر في ذلك ....more
لا زلت أشعر بالارتباك إزاء الرواية، حتى بعد مرور يومين من الانتهاء منها، قلّة هي الروايات التي تتركني بمثل هذه الفوضى النفسية، أحاول لملمة شتاتي الفكرلا زلت أشعر بالارتباك إزاء الرواية، حتى بعد مرور يومين من الانتهاء منها، قلّة هي الروايات التي تتركني بمثل هذه الفوضى النفسية، أحاول لملمة شتاتي الفكري، لكن كل ما يجول في ذهني هو أقرب للهذيان و الخواطر المبعثرة والمتقطعة، أخاف أن أنظر للجدار فأرى ظلي أيضاً قد أخذ شكل بومة منكبة على قراءة أوراقي، في نوع من التأثر والمحاكاة لبطل الرواية وظله وهذيانه .
يُشكّل تعاطي الأفيون - الذي وصفه الطبيب لتخفيف آلام بطل الرواية - منطلقاً لكتابة هذه الصفحات، التي يصف حالة التمزق النفسي والروحي الذي يعانيه، ومأساة انعزاله واختلافه عن الآخرين، و الجراح التي خلّفتها طبيعة تعامله معهم، وذلك في سرد أقرب للهذيان يلائم متعاطي الأفيون، وفي أجواء كابوسية تعبيراً عن يأس البطل ومحنته .
ولا يخفى على قارئ الأدب أن الرواية غارقة في الرمزية، لكن باعتقادي يصعب تحليل رمزيتها على من لم يطلع على سيرة حياة صادق هدايت، والذي أكاد أجزم أنه وضع الكثير منه في شخصية بطل الرواية.
بدءاً بالكوة الجدارية التي تبدأ منها المشاهد، كرمزية لكوة الوعي التي تُمكّن المرء من النفاذ لذاته، والتي تحققت للبطل بتعاطي الأفيون ..
والمرض الذي اختار الكاتب أن يُبقيه مجهولاً، يناسب ما عبّر عنه دوستويفسكي بأنه مرض حقيقي وخطير، ألا وهو الإدراك والوعي .
فعزلة البطل ونفوره من "السّوقة" ونمط حياتهم، أظنها رمزية لعزلة المثقف، وصعوبة انسجامه مع المحيط، خاصةً أنّ هدايت لطالما كان في شقاق مع النمط الفكري السائد آن ذاك ..
كما أن هدايت الذي عانى من علاقة عاطفية فاشلة تركته ينازع كآبته، يُصوّر المرأة في الرواية على أنها محرّمة ومُشتهاة، وأساس محنة البطل الذي ظل "يكرهها ويشتهي وصلها" ..
حتى غياب العائلة في الرواية يماثل غياب العائلة في حياة هدايات الذي تخلى عنها برغبته ..
و زجاجة السُّم التي بها تنتهي عذابات الحياة، هي كناية عمّا يُمثله الانتحار لكل يائس، فهدايت الذي حاول الانتحار غرقاً قبل أن يقضي منتحراً بالغاز، كتب مخاطباً الموت في أحد مقالاته: إنك لست رسولاً حزيناً، بل أنت علاج الروح الذابلة، إنك تفتح بوابة الأمل بوجه اليائسين
كما أن نزعة هدايت العدمية ونفوره من الدين السائد ينعكس على بطل روايته الذي يقول في أحد المواقف: الشيء الوحيد الذي كان يستهويني هو الأمل في الفناء بعد الموت، كانت فكرة العيش مرة أخرى تخيفني، وتصيبني بالفتور، إنني لم آلف بعد هذا العالم الذي أعيش فيه، فما نفع العالم الآخر لي؟ ..
يبقى لنا رمزية العنوان، فهدايت المتأثر بأدب كافكا حد تسميته بكافكا الفارسي، والذي أحرق كثير من مخطوطاته قبل موته متّبعاً خُطا الأديب السوداوي ، يحاكي بعنوانه رمزية حشرة كافكا العملاقة عديمة النفع، فطائر البوم المتصف بحدة بصره يُصبح أيضاً بلا فائدة تُرجى إن أصابه العمى، حتى أن هدايت في أحد نوبات اليأس المحتدم كتب: البيئة التي كنت أعيش فيها كانت تحكم علي بأنني كائن طفيلي عديم الجدوى، وربما كانت هذه هي الحقيقة ..
أُصنف هذه الرواية على أنها أدب كابوسي، يتجاوز المألوف من السوداوية والقنوط، لا تناسب الباحثين عن الضوء في نهاية النفق، بل هي لمن يألف ظُلمة كهفه النفسي وبرودة جدرانه ....more
أنا لا أقرأ لساباتو، إنما أتعاطى أدبه، فالتيه في عوالمه أمتع بكثير من الاستفاقة في عوالم الآخرين، و إن كان للمرء في داخله جانبين من النور والظلمة، فإنأنا لا أقرأ لساباتو، إنما أتعاطى أدبه، فالتيه في عوالمه أمتع بكثير من الاستفاقة في عوالم الآخرين، و إن كان للمرء في داخله جانبين من النور والظلمة، فإن ساباتو يكتب بجانبه السوداوي، كأن الإلهام والموهبة تركّزا في أحلك أغوار روحه وأكثرها شيطانية وكآبة ..
ونفق ساباتو يختلف عن قبوره، ولو أنّ الاثنين وُسِما بطابع التأويل والتفكّر، لكن الضوء في النفق قد يُسقط شيئاً من الحقيقة على القصة، أما الأبطال في القبور محكومون بالظلام والوحشة والاختناق بالأسرار إلى الأبد .
ولما كان أبطال الرواية يحاولون حل أحجيات حياتهم من خلال استجرار الذكرى و إعادة سرد الوقائع، في محاولة لسد الثغرات و استخلاص المغزى من واقع عبثي ومأساوي، فأنت كقارئ غير مطالب بحل لغز الرواية ومجاراة أبطالها الممسوسين، بل ربما الانتهاء منها والالتفات لتفاصيل قدرية لم تولِها جدير الاهتمام سابقاً، لكن ها أنت تفكر بها الآن وتحاول أن تجد موطئ قدم ثابت في هذا العالم الغريب، الغارق في ضبابيته، وتجاهد لأن تسبغ الوجود بمعنى، وهذا هو المسّ بعينه، لو كنت تدري .
أصوات بطبائع و رؤى مختلفة تتناوب في سرد جزء مهم من ماضي وواقع الإنسان الأرجنتيني في ظل بشاعة حروب وانحطاط بشري وتصدعات أخلاقية كفيلة بتقويض أي مجتمع، فتتمثل النتيجة بشخصيات مجنونة وخاوية ومتهالكة، وفي صراع دائم مع عالم داخلي خفي، كبركان على شفا استفاقة .
- لو كان الناس على شاكلتك، لما تمكن هذا العالم من أن يتقدم .. - ومن أين أتيت بفكرة أن العالم يتقدم؟!
نصيحة قارئة: حين ترفع مرساتك لبدء الرحلة مع ساباتو، ألقِ ببوصلتك بعيداً، واترك الدفة له، فالتيه في عالمه أجمل، وتذكر دوماً، أن إلقاء سؤال ألذ بكثير من تلقي إجابة باهتة .....more
أنا أعشق كل ما كتبه هذا الرجل، و مهما تفاوتت تقييماتي لأعماله، سأبقى في حالة افتتان بكل ما خطّه قلمه، و لو كانت لديّ فرصة بطل "قطار الليل إلى لشبونة" أنا أعشق كل ما كتبه هذا الرجل، و مهما تفاوتت تقييماتي لأعماله، سأبقى في حالة افتتان بكل ما خطّه قلمه، و لو كانت لديّ فرصة بطل "قطار الليل إلى لشبونة" في اقتفاء أثر كاتبٍ ما، لما ترددتُ في التوغل في ماضي هذا الأديب المرهف الذي يُدعى ستيفان زفايغ، والذي مات منتحراً لأن قسوة العالم لم تلائم هشاشة روحه .
فحين كنت أفكر بقدرته على تقمص أي شعور والكتابة عنه بصدق، لم يسعني سوى الاعتقاد بكونه مستمعاً جيّداً، يُتخم أحاسيسه بما يسمعه، ثم ينفجر به على الورق شخوصاً كاملة و سرداً شفيفاً، أما ما استزدتُ به من هذا الكتاب، فهو كفاءته في اقتناص تغيّرات النفس، و دقة رصده للاختلاجات الروحية والاضطرابات التي تصيب الذات، مما يُفسر جودة تصويره لمواقف و حكايات يستحيل عليه أن يكون قد اختبرها بنفسه، كدقة وصفه لما يعتمل في نفوس النساء، أو الأطفال، أو حتى ذلك الكلب في قصة (هل فعلها؟) .
يحتوي هذا الكتاب قصتان نستطيع أن نقول أنهما تشتركان في ذات المركز ، فباختلاف الشخصيات وطبيعتها ، تدور الاثنتان حول القشة التي قصمت ظهر البعير، أو بالأحرى، التربيتة التي شرخت النفس فهشّمتها، وحسب قراءاتي لزفايغ، أستطيع القول أنه الطريق المحبب إليه إتباعه في كتابة القصص والروايات القصيرة .
الأولى : هل فعلها؟
بداية القول، هذه القصة من أمتع ما قرأته لزفايغ، لربما قد لا تكون بثراء الثيمة النفسية للاعب الشطرنج و الخوف، لكنّها جذابة وتستأثر بالنفس حد أنك لن تفلتها قبل إتمامها .
جوهرها هو التصرفات الغير مدروسة والمبالغ بها التي لا نفكر بأثرها على الغير، لكنّها قد تصيب كبريائهم في مقتل، فيكون وقع الأذى شديداً عليهم و علينا معاً .
وبالطبع يجدر الإشادة بجمال وصف زفايغ لشخصية الكلب و منطقية تحليل سلوكه، فأنا أملك قطاً ينازع كلب زفايغ في كبريائه وعجرفته، و وجدتُ الوصف ينطبق عليه تماماً .
الثانية : ليبوريلا
هذه القصة على شيطنتها اخترقت قلبي، فأنا أعلم ما يبلغه الاجحاف مقابل التفاني، و ما يعني أن تبذل لأحدهم كل ما في قلبك ثم تعود خاوياً، لا لشيء سوى أنك أهدرته في المكان الخاطئ . ولا أذكر هنا إلا ما قاله زفايغ نفسه في رواية ٢٤ ساعة من حياة امرأة: " ألا تكون في نظر إنسان منحته كل حياتك، أكثر من ذبابة تهشها يد كسلى في ضجر ... "
فيحدث أن تستمتع بجمالية اللبلاب المتسلق، لكن حذارِ أن تتركه على هواه فيسدّ عليك منافذ النور إلى روحك .
و قد لا يصح التعاطف مع شخصيّة - لربما كانت - آثمة مثل كريسنز، لكن هذه ميزة الأدب الجيد، ألّا تستطيع الفصل بعد بين الخير والشر في نفوس البشر .
يبقى للذِكر في آخر المطاف، أنك في القصتين لا تستطيع الجزم بمن كان الآثم، فتبقى تُسائل نفسك : هل فعلاها حقاً؟...more
بلغنا مبلغاً ما عاد أحدنا ينتظر شيئاً من الآخر، لا بل ما كنا ننتظر شيئاً من أحد ...
من قراءة قريبة لعلي عزت بيجوفيتش، علق في ذهني مصطلحان اثنان حول أل بلغنا مبلغاً ما عاد أحدنا ينتظر شيئاً من الآخر، لا بل ما كنا ننتظر شيئاً من أحد ...
من قراءة قريبة لعلي عزت بيجوفيتش، علق في ذهني مصطلحان اثنان حول ألبير كامو، مؤمن مُخيّب الرجاء و إلحاد اليأس، فمن وجهة نظره يمكننا فهم أفكار كامو فقط إن اعتبرناه مؤمناً مُخيّب الرجاء، و أنّ إلحاده لا يشبه إلحاد المفكرين العقلانيين القاطع و إنما هو إلحاد اليأس ...
وبوضع هذين المبدأين نصب أعيننا أثناء القراءة لكامو، نستطيع أن نقول أن غريب كامو هو إنسان غريب عن هذا الوجود، تائه وضائع بلا أمل، لا مبالاته نابعة عن السأم واللا جدوى من هذا العالم، و بروده هو رمادُ نارٍ استعرتْ في البحث عن المعنى دون أن تجده ..
لكنّ الجميع يعلم أنّ الحياة لا تستحق أن تُعاش ...
فبالنسبة لشخص غارق حتى روحه في هوّة عميقة اسمها العدم، ما الذي سيعنيه له موت من يعرفهم؟ أو موته؟ انهيار حياته؟ أو معتقداته؟ غياب الإيمان أو الحب؟ ما الذي سيعنيه كل هذا اذا كانت الحياة عبثية، وكل الأمور سيان، وكل الأشياء بلا معنى !؟
حين يدرك الإنسان أن لا شيء سيتغير، وأن كل المحاولات سدىً، حين يصيبه هذا اليقين القاتل، فإن أفضل ما قد يقدمه لنفسه هو ألّا يكترث ..
أحسست نفسي مستعداً لأن أعيش أي شيء من جديد، وكأنما هذا الغضب العظيم قد خلصني من الألم، وأفرغني من الأمل، ولأول مرة أنفتح أمام لا مبالاة العالم الحنون ...
لقاء موفق جداً مع كامو، أشبه بقبلة خفيفة على جبين مُحتَضَر ... ...more
مع بداية قراءتي لهذا الكتاب لازمني ما كتبه سابر الأغوار البشرية دوستويفسكي في رواية الأبله :
أكبر إهانة يمكن أن تُلحقها بإنسان في عصرنا و من جنسنا هي مع بداية قراءتي لهذا الكتاب لازمني ما كتبه سابر الأغوار البشرية دوستويفسكي في رواية الأبله :
أكبر إهانة يمكن أن تُلحقها بإنسان في عصرنا و من جنسنا هي أن تنعته بأنّه مجرد من الأصالة والإرادة والمواهب الخاصة ، و أن تقول عنه أنّه : مجرد رجل عادي ..
وكان المعني بهذا الكلام هو جانيا ، شخصية محمومة السعي إلى إحراز المكانة و في قلق عارم من نظرة الآخرين و خوف من تقييمهم .
وهنا خطر لي سؤال مؤرق : ماذا لو كنا فعلاً أشخاصاً عاديين ، و تم إيهامنا بشكل ما أننا قادرين على تحقيق مكانة عُليا؟ أظن أن هذه الفكرة قادرة على إصابة أي إنسان بتشنجات روحية و هبوط حاد في الأمل ، و - وفقاً لدوستويفسكي - إهانة يصعب تخطيها ، بالأخص اذا كانت نابعة عن إدراك ذاتي .
يُبسط الكاتب مفهوم قلق المكانة على أنّه الثمن الذي ندفعه مقابل إدراكنا أن ثمة تمييز متفق عليه بين حياة ناجحة وحياة غير ذلك، و بحسب تحليله، هناك خمسة أعمدة يرتفع عليها قلقنا الملعون هذا : ١- افتقاد الحب : يرى البعض في المكانة وسيلة لكسب الود واجتذاب الاهتمام ممن حولهم . ٢- الغطرسة : الفوقية التي تمارس على الأشخاص قد تُعمق الشعور بالدونية لديهم وتدفعهم للبحث عن مزايا تعزز مكانتهم لدى الآخرين . ٣- التطلع : النجاح الذي يحققه أشخاص بمستوى مزايانا وخصالنا يوّلد لدينا الرغبة بتحقيق نجاح مماثل . ٤- الكفاءة : ففكرة أن الناجح يستحق نجاحه والفاشل يستحق فشله تُلحق بالأشخاص الخزي والعار إن هم فشلوا في تحقيق ذواتهم . ٥- الاعتماد : لن يأمن المرء على منصبه وعمله إن كان يعلم أنه معتمد على الحظ، الموهبة المتقلبة، صاحب العمل، ربحية صاحب العمل، الاقتصاد العالمي، وبالتالي سيبقى في صراع دائم لأجل المكانة .
وفي مقابل هذه الأعمدة الخمسة، نصب الكاتب خمسة أعمدة أخرى قامت عليها الحلول أو البدائل لغياب المكانة : ١- الفلسفة : حيث يحثنا الفلاسفة على إعمال العقل والانشغال بما نملكه في أنفسنا بدلاً عما يراه الآخرون فينا . ٢- الفن : حيث ساهم الأدب والرسم في ترسيخ فكرة أن فقراء الحياة قد تملك أرواحهم أكثر مما قد تضمه قصور الأغنياء والملوك . ٣- السياسة : إدراك أن مكانة المرء خاضعة لعوامل تفوق إرادته وقدراته، وأن هذه العوامل قابلة للتغير في أي وقت . ٤- الدين : الفقراء أحباب الله، وما حُرم منه المؤمنون في الحياة الدنيا سيعوضه الله لهم في الحياة الآخرة . ٥- البوهيمية : نبذ الوجه المادي للحياة الفائض عن حاجة الإنسان وتوجيه انتباهه نحو الفن والقيّم وكل ما يُغني الروح والحياة الداخلية .
والحقيقة، أنّ ما أطلقَ عليها الكاتب حلولاً وبدائل، أُطلق عليها أنا في حياتي الشخصية (حُقن تخدير)، فالإيمان بأي واحد منها قد يُفيد في تهدئة هيجان النفس لفترة من الزمن، لكن إن لم يتسبب بتقدم أو يُستخدم كدافع لتحسين الحياة، فإن مفعوله سيتلاشى و سيكون هجوم الإنسان على نفسه في كل مرة أقوى من سابقه، وجلد الذات أعنف، والانهيار أكبر، ولا حل لإيقاف قلق المكانة، إلا بتحقيق المكانة، ولا أقصد بالمكانة الثراء والشهرة، إنما أي حالة تتيح للإنسان أن يشعر بالاحترام حين يقف وحيداً أمام نفسه ....more
بادئ ذي بدء ، مات هيغ ليس اختصاصياً نفسياً كي تكون له القدرة على كتابة بحث علمي وموضوعي عن مرض القلق الذي صار جزءاً لا ينفصل من حياتنا اليوم ، إنما هوبادئ ذي بدء ، مات هيغ ليس اختصاصياً نفسياً كي تكون له القدرة على كتابة بحث علمي وموضوعي عن مرض القلق الذي صار جزءاً لا ينفصل من حياتنا اليوم ، إنما هو يكتب من وجهة نظر إنسان مُصاب بالقلق و متمتع بقدرة على التعبير عمّا يعتريه في تلك اللحظات المشوشة ، لذا من كان يبحث عن تشريح علمي للمرض عليه أن يُسقط هذا العنوان من قائمته ، أمّا من كان ينشد الصُحبة و الشعور بأنه ليس وحيداً في التجربة فمات سيحادثك حديث الصديق للصديق .
الهلع ؛ القلق ؛ التوتر ، أصبحت هذه الحالات اليوم من سمات مجتمعنا المحاط من كل جانب بأساليب الحياة المعاصرة ونتاج التقدم الرقمي ، بل صارت هذه الحالات متبوعة بسِمات أخرى مثل الأرق ، والدونية ، والإحباط ، والتقوقع على الذات و غيرها من مظاهر سلبية ضربت جذورها عميقاً في تربة حياتنا .
يعتبر مات أن أسلوب حياتنا المعاصر هو أهم مسببات القلق اليوم ، فمواقع التواصل الاجتماعي توحي لمستخدميها أنهم أسهم في بورصة ، ترتفع قيمتهم بارتفاع عدد متابعيهم ، فضلاً عن زجهم بشكل غير مباشر لمقارنة أسوأ ما لديهم بأفضل ما لدى غيرهم ، ولا داعي لذكر وهم الاتصال بالآخرين في حين أن الوحشة والوحدة تنخر كل روح فينا ، و نظام التسويق الذي يواظب على إشعارنا دائماً بالنقص و بحاجتنا لاقتناء المزيد والمزيد ، بينما نحن لا نحتاج فعلياً سوى لتقدير الذات وفهم احتياجاتها ، و كل تلك التكنولوجيا التي تُبقينا مكبلين في بيوتنا يغزونا الأرق والتفكير المحتدم ونوبات الاكتئاب والإحباط ، بينما العالم ينتظرنا في الخارج .
و بالتمعن قليلاً بكلام مات ، عدتُ بذاكرتي إلى اليوم الذي قررت فيه الانسحاب من كل منصات التواصل الاجتماعي قبل عدة سنوات ، وكيف كان عامي ذاك مليئاً بالنوم الهانئ والصفاء الذهني والرضا الذاتي ، و برغم أنني ضربت بالحياة الاجتماعية عرض الحائط إلا أنني حظيت بسلام نفسي لا أذكر أنني حظيت بمثله طوال حياتي ، و بالمقابل ، بعد ذلك العام وحين بدأت أعود لوسائل التواصل الاجتماعي شيئاً فشيء ، تذكرت كيف بدأ الأرق يستولي على لياليّ ، و سُحُب اليأس والاكتئاب تكتنف سمائي من وقت لآخر ، و بل الأسوأ هي العدمية التي اجتاحتني مؤخراً وعبثت بكل معتقداتي ، فهل كُتب علينا ، بشر اليوم ، أن نختار بين سلامنا النفسي والعالم المعاصر بكل ما فيه؟؟
حسناً ، يحكي مات أنه هو نفسه لم يتوصل إلى الحل بعد ، لكنه ما زال يحاول ، رافضاً أن يسلّم نفسه للقلق هو الذي عانى ما عاناه مع مرض الاكتئاب منذ عدة سنوات ، و الأفضل من وجهة نظره ، أن نُرشد استهلاكنا التكنولوجي و أن نتعامل مع العالم الرقمي بوعي يقف دون الحدود القريبة من عالمنا الداخي وسلامنا النفسي .
في النهاية أتساءل ماذا كان سيحدث لمات لو أنّه عايش ما عايشه شبابنا العربي اليوم؟ وكيف سيتعامل مع قلقه على مستقبله التائه؟ في ظل الحروب والإرهاب و الفساد الحكومي والاجتماعي؟ هل سيبقى لأسلوب الحياة المعاصرة من أثر و هو محروم من أدنى مقومات الحياة ومحاوط بداعش وأشباهها من كل جانب؟
عذراً عزيزي مات هيغ ، قلقك هذا على حدته ، هو قلق المُترَفين ....more
دعكم من العنوان الساذج الأشبه بعناوين الروايات التجارية والهابطة و إليكم بهذا المحتوى الرائع الذي تكفل بشرح العلاقات المؤذية من ألفها إلى يائها ..
و تمدعكم من العنوان الساذج الأشبه بعناوين الروايات التجارية والهابطة و إليكم بهذا المحتوى الرائع الذي تكفل بشرح العلاقات المؤذية من ألفها إلى يائها ..
و تماماً كما أحب أن تكون كتب التوجيه أو التحفيز أو التنمية (أو ما شئتم تسميتها) هذا الكتاب يقدم المساعدة أولاً عبر تشريح العلاقة المؤذية وفهم آلياتها وتقنيات الإيذاء فيها ، والغوص إلى قاع الخلل وتسليط الضوء على تضاريسنا النفسية التي ساقتنا إلى مثل هذه العلاقات ، وهي بنظري أفضل طريقة للتعافي والاستشفاء .
وكقارئة شغوفة بالأدب ، أقرأ الروايات والقصص وأسقط وقائعها على حياتي في محاولة لاستخلاص فهم بسيط لنفسي وللعالم من حولي ، كنتُ طوال قراءة الكتاب لا أنفك أسقط تحليلات الكتاب ونظرياته على ما اختبرته في حياتي وحياة من عرفتهم بل وحتى تلك العلاقات التي قرأت عنها في الأدب ..
ففي إطار العلاقات المؤذية سواء مع نرجسي أو سايكوباتي أو أي مؤذي آخر ، بل حتى تلك العلاقات التي لا تحوي مؤذي إنما تتصف بالسُميّة ، لا يسعني ألّا أستذكر قصة حب خوان بابلو وماريا في رواية النفق ، أو ناصر ومها في سقف الكفاية ، أو أوغسطو وأوخينيا في ضباب ، أو جمانة وعزيز في فلتغفري .... بل ذهب بي الأمر إلى استذكار نثر شهرزاد (كنت أود الاحتفاظ بك) وربط كلماتها مع محاور الكتاب ...
فمثلاً :
عندما كنت أوصيك ألا تعبث بغيرتي كي لا تحرقني وتحترق بي ، كنت أود الاحتفاظ بك ...
وكما ورد في الكتاب أن كل مؤذي يحمل بداخله شعوراً عميقاً بغياب الأمن النفسي ، فيعيد شحن طمأنينته الذاتية عبر أفعال سيئة منها إثارة الغيرة واختلاق المشكلات ..
وعندما كنت أبرر قسوتك لعقلي خوفاً عليّ مني ، كنت أود الاحتفاظ بك ..
أيضاً ورد أن المؤذي شخص مرهق في التعامل ومن العسير إزاحة غضبه بسرعة ، بل يُمعن بالأذى ، وحتى مزاحه يأتي على شكل نقد لاذع ..
وعندما كنت أسير على أشواك ظروفك حافية القدمين متجاهلة ألمي ، كنت أود الاحتفاظ بك ..
والمؤذي يستخدم الظروف كشماعة يُعلق عليها طول الانتظار والمماطلة ، فُيبقي ضحيته مصلوبة على خشبة الحياة والأقدار ..
وعندما كنت أرحل وأعود، أعود وأرحل، أرحل وأعود ... كنت أود الاحتفاظ بك ..
و لا يخفى أن تكرار الانفصال هو بوابة تدمير أي علاقة مهما كانت صحية ، فكيف والعلاقة مؤذية؟ والخلل واضح؟
وحين كنت أرجوك أن لا أكرهك، كنت أود الاحتفاظ بك .. عذراً ... ربما جاءت متأخرة أنت لا تستحقني .
وهنا مرحلة الاستفاقة والوعي العظيم والإيمان بأن أي تقدّم في العلاقة هو سكين يُغرس أكثر في لحم حياتنا ، وعن هذه المرحلة تحدث الكاتب بصدق و أورد نموذج كيبلر روس للحزن والفقد وربطها مع مرحلة ما بعد المؤذي بمراحلها الخمسة (الانكار، الغضب، المساومة، الاكتئاب، القبول) و أكد على أن التعافي يستدعي الإرادة لكنه أيضاً عملية مرحلية لا يصح اختزالها، بل يجب أخذ الوقت الكافي للنقاهة النفسية مع اقتراحات كالكتابة وقتل الفراغ العاطفي وإيجاد مثل أعلى، وأشياء أخرى لا يسعك إلا قراءتها واختيار ما يلائم شخصيتك منها وينسجم مع أسلوب حياتك ...
بالنهاية ... أنا أبعد ما أكون عن قارئة لهذا النوع من الكتب ، لكن الجهد المبذول و الطريقة القريبة من القلب التي حاورني بها الكاتب ، يجعلني أشيد بهذا النوع و أنظر له أخيراً بعيون جديدة . ...more
و أخشى ما أخشاه ، ولا سيما في الوقت الحاضر ، أن أحيا غير حميد ، و أموت غير فقيد ...
ما شجعني على انتقاء هذا الكتاب - إلى جانب أسلوب فرمان الجميل والن و أخشى ما أخشاه ، ولا سيما في الوقت الحاضر ، أن أحيا غير حميد ، و أموت غير فقيد ...
ما شجعني على انتقاء هذا الكتاب - إلى جانب أسلوب فرمان الجميل والنكهة العراقية المميزة التي يكتب بها - هو ما وُصِف به السيد المعروف في إحدى المراجعات على أنّه قرين أكاكي أكاكيفيتش الروسي و بارتلبي النساخ الأمريكي ، و الحقيقة أن هذا الوصف قد أغراني و اجتذب ذائقتي القرائية و ذلك لفرط ما أتعلق بمثل هذه الشخصيات الروائية المتذبذبة .
والسيد معروف ، والذي يُقال أنه من أقرب الشخصيات إلى روح الكاتب فرمان ، هو شخصية مضطربة ، منكمش على ذاته ، يُعاني من آلام نفسية و جسدية جعلته يُوقن ألّا شروق سيطلع على حياته ، مما سبب له شِقاقاً بينه وبين مجتمعه و صعوبة الاندماج في البيئة الفكرية المحيطة به ، و هكذا تعلق بالغروب الذي صار يرى فيه حياته ، واكتفى بخياله و حياته الداخلية التي يحياها بمنأى عمّن حوله ...
وبالتقدم في دهاليز حياته تتبدى لك ثقافته و سعة اطلاعه و وعيه الكبير بمكامن نفسه وأعماقها ، و كأنه كُتب على كل مثقف أن يُنفى إلى نفسه و يُنبَذ ، حتى ليُخيّل إليك أنه يمشي حاملاً حصاره معه ، حتى المرض المعدي الذي يُعاني معه يُلمِّح لك الكاتب أنّ أسبابه نفسية كإشارة إلى آثار الأذى و التعنيف الذي يتلقاه ممن حوله ، و لعلّ أسوأها هو قتل الطموح و الرغبة في التقدم فنرى أن هذه الشخصية العليلة حرّمت على نفسها حتى التفكير واعتبرته شيئاً نائياً عزيزاً على من مثلها ، إضافة إلى فقدان الأمل بأيّ تحسُّن في ظروف معيشته الضنكة ، ليصبح تعشّق الغروب و الجلوس في المقهى و تخدير النفس بالأوهام هو كل ما يملك و كل ما يقدر عليه ...
و هذه هي حياة جيل تتكرر ، لو كنتم تعلمون ..
القصص الباقية جيدة ، لكن آلام السيد معروف لم تترك لي القدرة على الاستمتاع بها ، لذا ستتفرد بالتقييم لوحدها ....more